الأحد، 25 ديسمبر 2011

من الذي تعرى في مصر؟


من الذي تعرى في مصر؟ هل هي وحدها الفتاة الطبيبة التي جرجرها الجنود في الشارع أم أن جسدها كان أقل ما تعرى من مصر؟ في هذا المقال المختصر والذي لو فككته لأكملت كتابا كاملا، سأتناول بشكل تلغرافي أو تغريدة على غرار «تويتر»، أربعة أعمدة للمجتمع المصري تعرت تماما بتعرية بطن الفتاة. أولها ودون مواربة كان موقف الجيش من الثورة، وهل بالفعل أن الجيش هو من حمى الثورة أم أن الأوامر بالضرب لم تصدر له إلا قريبا؟ في تعرية جسد الفتاة وركلها في الشارع وعلى الملأ مؤشر خطير على سلوك قائم وربما رسالة تحذير من تملك الجيش للسلطة. الحادثة لمن يريد قراءتها بشكل محايد تشير إلى أن بعض أفراد الجيش لديهم النزعة للعنف ضد المواطنين، ولم يفعل في أيام الثورة لأن الأوامر لم تصدر. وإن لم يكن الأمر كذلك، فالسؤال الأكبر عن لغز ما حدث بين مبارك والجيش يوم ما سمي تخلي مبارك عن السلطة. وهل الجيش قام بانقلابين؛ أولهما كان ضد مبارك وثانيهما كان ضد الثورة بمعنى احتضانها أولا ثم تفريغها من مضمونها؟ هذه هي أسئلة التعري وليس تعري جسد الفتاة. سلوك الجنود على الأرض وتعرية بطن الفتاة في الشارع والكشف عن حمالة صدرها وركلها، مؤشر بأن القدرة والرغبة كانت موجودة ولكن غموضا حول الأوامر وإطاعتها من عدمه اكتنف مرحلة نزول الجيش إلى الشارع يوم 28 يناير (كانون الثاني) الماضي حتى تنحي مبارك. وهل كان مبارك أكثر انضباطا في موضوع الجيش ممن أتوا من بعده؟ وهذا سؤال قد لا يروق لكل من شارك في الثورة، ولكنني كنت منهم وبينهم كل أيام الثورة وليس لأحد الحق في المزايدة عليّ في الثورة. تعرية بطن الفتاة عرت قصة «الشعب والجيش إيد واحدة» وعرت أيضا موضوع الجيش الذي حمى الثورة، إلا إذا كان هناك منطق آخر يدافع عما حدث؟ وأنا في انتظار الإجابة من أجل العلم والتعلم وليس من أجل تسييس الأمر وإحراز أهداف سياسية في شبكة جيش تشرفت بأن أكون أحد ضباط الاحتياط فيه في سيناء.

بالطبع لم يكن يدرك هؤلاء الجنود أن كاميرات العالم كلها تصورهم وهي فوق رؤوسهم كالطير، ولا يدركون كيف أنهم أحرجوا قادتهم أمام العالم وأمام مجتمعهم، ولم يكونوا مقدرين لأبعاد وتبعات ما حدث، فهم في النهاية جنود مدربون على ملاقاة العدو وأن أي أحد على الجبهة الأخرى هو عدو حسب عقيدتهم العسكرية، فمن الذي ورطهم وورط نفسه في أن يصور لهم أن أبناء وطنهم ووطنيتهم هم الأعداء؟ هذا السلوك يحتاج إلى سنين من العلاقات العامة لإعادة صورة الجيش على ما كانت عليه كرمز للشرف المصري والانضباط، كما أن سلوكا كهذا وبحيادية تامة له دلالات سياسية كبرى، فالرسالة التي أرسلها هذا السلوك والتي ستبقى في الذهنية المصرية لفترات طويلة، هي احذروا الجيش، لأنه إن تمكن منكم فلن يرحمكم، ربما هذا ليس صحيحا البتة، ولكن في عالم الإعلام والصورة، تبقى حقيقة الصورة وبشكل فلسفي كما يقول فيلسوف الإعلام الفرنسي جين بوريارد، الصورة تبقى أكثر حقيقة من الأصل في عالم الهايبر ميديا، ولا أريد أن أحول هذا المقال الصحافي إلى موضوع أكاديمي أعمق حول الأصل والصورة في عالم الإعلام الجديد، ولكن المهم هنا هو أن من تعرى في مصر يومها لم يكن جسد الفتاة فقط، فقد تعرت أشياء أكبر وأعمق وربما يدعي البعض أنها أهم بالنسبة لوطن، رغم أنني وبشكل شخصي أرى أنه لا أهم في الأوطان من الإنسان.

أما المحور الثاني فهو يخص الحديث عما جرى، وهنا عرت الفتاة مجتمعا بأكمله، مجتمعا بالفعل يحتاج إلى ثورة الآن وليس يومها فقط. في المجتمعات الطبيعية تعرية جسد المرأة في الشارع غير مقبول في البوذية والهندوكية والمسيحية والإسلام واليهودية وكل الديانات التي عرفها البشر، ولكن بدلا من الحديث عن الجريمة التي حدثت انخرط جزء من الشعب المصري ومنهم من يدعون التدين بالحديث عن ملابس الفتاة بدلا من الحديث عن الجريمة، حديث إدانة الضحية وتمجيد الجلاد، وما عليك إلا أن تستمع إلى فيديو لصاحب قناة «الفراعين» ورمز ميدان العباسية المذيع توفيق عكاشة وهو يوبخ الفتاة على طريقة لباسها، لتعرف إلى أي مدى عرت الفتاة حالة الانحطاط الثقافي التي وصل إليها جزء من المجتمع المصري، يقول عكاشة موبخا الفتاة التي خرجت للتظاهر حسب تعبيره وهي «لابسه لي ع اللحم، وهي رايحة المظاهرة، ولابسالي، ملابس داخلية فيها شيالة صدر لونها لبني، ولما بصيت في الصورة كويس لقيتها لابسه بكيني.. الله الله.. هو إيه الموضوع يا أختي؟ في واحدة رايحة مظاهرة تلبس ع العري في الشتا؟» وتحول الحوار عن ملابس الفتاة وليس عن الجريمة.

من طبيعة المصريين قبل أن نتحدث عن ديانة الأغلبية منهم والأقلية عدم إيذاء المرأة ولو بكلمة في العلن، لذا تجد أن أي امرأة يتحرش بها رجل غالبا ما تعلن وبصوت عال «لو ما اتلمتش حصوت وألم عليك الناس»، ولو بالفعل صرخت المرأة في الشارع لتجمع فتوات الحارة أو المارة وأشبعوا صاحبنا ضربا دونما سماع إلى أقواله. فضرب المرأة أو إهانتها في الشارع يستوجب الردع وترى المرأة أن هذا الرادع قوي جدا لدرجة أن أي رجل ينسحب تماما من المشهد عندما تعلن المرأة أنها «حتصوت وتلم الناس»، ففي ذلك فضيحة لا يقبلها رجل مصري بشوارب، لذا قرر أحد المذيعين المصريين من ذوي الشوارب أن يحلق شاربه بعد حادثة جرجرة الفتاة وسحلها في الشارع والكشف عن ملابسها الداخلية. ترى ماذا جرى للمصريين كي لا يصيبهم هذا المشهد بالذهول كما كان في السابق، ماذا حدث في كل هذه السنوات كي تبرد النخوة والقيم المصرية الخالصة. وما هي دلالات هذا على مجتمع ما بعد الثورة في مصر؟

 

مأمون فندى Copyright © 2009 Community is Designed by Sacha Blogger Template

CSS done by Link building

تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة