الأربعاء، 25 يناير 2012

إنى أتهم


هل جربت عزيزى القارئ أن تكتب مقالاً مع كاتبه فى الصحيفة التى تقرؤها أمامك فى اللحظة ذاتها؟ جرب وشاركنى كتابة هذا المقال الذى سيكون جزء منه على الورق والباقى فى رأسك تكتبه أنت. شاركنى كتابة هذا المقال عن الثورة فى أيام ندعى فيها جميعاً أن وطننا أصبح «وطن شرك»، شرك من المشاركة وليس من الشرك بمعناه الدينى، رغم أن الكلمة ليست ببعيدة عن تصورات البعض فى رؤيتهم لإخوة لهم فى الوطن. جرب معى فى هذا المقال.

بداية قبل أن يكون عنوان المقال «إنى أتهم»، كما ترى، رغم أنى أتهم وسأتهم، كنت أفكر فى كتابة مقال عن ذكرى ٢٥ يناير، ذكرى الثورة المجيدة التى ولدت فى أرحام الشابات اللاتى خرجن للثورة، رغم اتهامات كتلك التى طالت مريم بنت عمران، وولدت فى رؤوس شباب، لا فى عقول العواجيز ممن يحكمون ومن كتبوا التعديلات الدستورية وممن يتصدرون المشهد، ولكننى تراجعت عن الكتابة عن الذكرى وعن الأرحام، فيبدو أن الرحمة قد نزعت من قلوب البعض، كما أن ٢٥ يناير ليس هو ذات اليوم، فالتواريخ كالماء لا تتكرر، فكما أنك لا تخوض فى ذات الماء الجارى مرتين، لأن الماء يتغير بعد أن تخوض قدماك فيه، كذلك ٢٥ يناير اليوم هو ليس ٢٥ يناير ٢٠١١ يوم قامت الثورة، الزمان غير الزمان والناس غير الناس، والديكتاتور القديم ليس كالديكتاتور الجديد. فإذا كان ٢٥ يناير ٢٠١١ ليس هو ٢٥ يناير اليوم، ولا الناس ذات الناس، فعن ماذا أكتب فى يوم لن يتكرر ولم يتكرر رغم إصرار كثير من محدودى العقول بيننا على أن التاريخ يعيد نفسه.

من نحن ومن أين أتى هؤلاء؟ كان هو العنوان الثانى للمقال الذى قلبته فى ذهنى بعد أن هالنى ما رأيت فى أول تجمع لبرلمان ما بعد الثورة ولا أسميه برلمان الثورة، فهو برلمان حدث ما بعد الثورة زمانيا لا تعبيراً عنها روحيا أو فكريا، أو حتى وجوها أو جسديا، إنه برلمان ما بعد الثورة وحسب. فكرت فى نفسى وبعد مشاهدة افتتاح برلمان فى تصورى لا يشبهنا من الشبه فى الملامح، بل يشبهنا من الشبهة، والشبهة هنا دستورية فى المقام الأول، وسأتناولها فيما بعد، فقد نص الإعلان الدستورى فى مادته الرابعة بعدم دستورية الأحزاب الدينية، وها أنت ترى بأم عينيك أنك أمام برلمان تسيطر عليه الأحزاب الدينية، وهذه رؤية عين لا ينكرها أحد إلا سامى عنان وطارق البشرى ممن كانوا الداية لتوليد الأحزاب الدينية فى الحياة السياسية المصرية، ولكن تلك قصة أكبر من هذا المقال، لذلك قررت أن أتركها قليلا، وأسأل نفسى من البداية سؤالاً بسيطاً: من أين أتى هؤلاء؟

من أين أتى السلفيون مثلا، فهل كانوا قوة يربيها النظام كبديل للإخوان لحظة انفلات العقال؟ العدد كبير وأكبر مما كنا نتخيل، لم نكن نتخيل أن مصر دولة دينية بهذا الحجم، كنا نتخيل أن القوى الدينية هى قوة مظلومة ولكنها قليلة العدد، ولكن أن نجد أنفسنا فى دولة دينية بهذا الحجم، فهذا ما لم نكن نتخيله، ولكن بما أنه واقع، فلابد من قبوله، والإصرار على تقويمه، لا أن نتركه يتغول كالحزب الوطنى السابق فى فساد وإفساد. ولكن مازلت عزيزى القارئ أسأل: من أين أتى هؤلاء؟ ولو كنت تعلم خبرنى. هل نحن بالفعل هكذا كوطن، نحن وطن الإخوان المسلمين والسلفيين، ربما؟ ولكننى أتهم بأن إنتاج هذه القوة فى البرلمان وبهذا الحجم لم يكن نتيجة إرادة حرة، بل كان نتيجة غش فى قواعد اللعبة، بدأ من لجنة الحكماء ولقاءها مع عمر سليمان، حتى لقاء لجنة الدستور مع سامى عنان. ومن هنا جاء العنوان الثالث، «إنى أتهم» والذى أصر عليه ويجب أن يصر عليه البعض، إنى أتهم.

إنى أتهم مجموعة من أبناء وطنى ممن شاركوا وربما البعض بحسن نية - فى تفريغ الثورة من نارها وقوة تفجيرها بداية من لجنة الحكماء ومن تفاوضوا معهم فى مقر المخابرات العامة مع اللواء عمر سليمان، ممن أرادوا أنصاف الحلول، منهم من دخل البرلمان ومنهم من يرشح نفسه للرئاسة، ولكنهم جميعاً متهمون بتبريد الثورة وتفريغها من مضمونها. إنى أتهم بعد هؤلاء لجنة الدستور برئاسة طارق البشرى ومن كانوا معه ومن تفاوض معهم من البشرى وصبحى صالح وسامى عنان وممدوح شاهين وغيرهم فهم من قرروا أن نبدأ لعبة مغشوشة، فبدلاً من كتابة الدستور أولا «زى كل خلق الله» أنتجوا لنا استفتاء بعده انتخابات بدوائر بمقاسات يكسب فيه فريق بعينه، ثم أدخلونا فى زواريق ومداخل، لن تكون نتيجتها إلا جذوة وشرارة ثورة ثانية ولكنها لن تكون سلمية هذه المرة. إنى أتهم. لا أتهم أحداً فى وطنيته وغيرته وسلامة نيته، ولكننى أتهم الكثيرين بعدم التفكير مليا فى نتائج أفعال ستأخذ الوطن إلى الجحيم رغم ما نراه من هرج ومرج فى برلمان ما بعد الثورة.

إنى أتهم من أخرجوك من ديار الثورة، وسلموها لمن لم يقوموا بها، إنى أتهم الذين يتآمرون ليل نهار فى كل وسائل الإعلام لتحويل الثوار إلى بلطجية، وتحويل البلطجية الحقيقيين إلى دعاة استقرار. إنى أتهم وأتهم ومازلت أتهم أن من لم يحاكم أحدا ولم يدن أحدا فى مقتل الأحرار من الثوار، فإنه لا يصنع وطنا للأحرار، بل يصنع وطنا يؤصل لعبودية من نوع جديد. إنى أتهم.


 

مأمون فندى Copyright © 2009 Community is Designed by Sacha Blogger Template

CSS done by Link building

تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة