الاثنين، 27 فبراير 2012

ثورة بيضاء في مصر !


ما الذي يحدث في مصر؟ سؤال يحاول الكثيرون الإجابة عنه بتنظير كبير وأحيانا ببيانات كثيرة لكنها «تلخبط» ولا تكشف. لذا أجيب عن السؤال من زاوية شعبية وبسيطة، لا تلفت نظر الكثيرين، ولكنها أقرب إلى الحقيقة في كشف ما يحدث في مصر الآن على مستوى نظام الحكم وعلى مستوى المجتمع كله.

الجديد في مصر هذا العام هو ظهور التاكسي الأبيض المكيف، والنظيف، الذي يعمل بالعداد، حيث تقرأ عداد التاكسي وتدفع للسائق دونما «فصال» أو «اللي تجيبه يا بيه»، كما كان يحدث في السابق مع التاكسي القديم (الأبيض والأسود). التاكسي الأبيض بدأ يزيح التاكسي الأسود من الشارع تدريجيا، وهذا قريب لما يحدث في الحزب الوطني أو داخل طبقة رجال الأعمال في مصر، ورغم ظهور التاكسي الأبيض، فإن التاكسي الأسود لم يختفِ، فهو موجود ويدور في الشوارع، ولكن الناس تنظر إليه بريبة. في وجود التاكسي الأبيض، ينزوي التاكسي الأسود.

مشروع استبدال التاكسي الأبيض بالتاكسي الأسود، هو تلخيص لحالة الإحلال والإزاحة التي تحدث في الطبقة الحاكمة في مصر من الحزب إلى الوزارات. الأبيض والأسود موجودان جنبا إلى جنب، ولكنه وجود مؤقت، وغير مريح للطرفين. ومع ذلك فمشروع التاكسي الأبيض لا يعني التغيير الكامل. عندما جاء مشروع التاكسي الأبيض، كان الهدف منه تغيير الشكل وبعض السلوكيات، ولكنه ليس تغييرا جذريا، فقد طرحت الحكومة التاكسي الأبيض ليستفيد منه سائقو التاكسي الأسود وأبناؤهم، حيث يستبدل أصحاب التاكسي الأسود القديم بما معهم من سيارات قديمة تاكسيا أبيض جديدا، ولكنه نفس السائق بنفس سلوكياته، يضع ذراعه خارج الشباك ويدخن وهو «مركب زبون»، إلى آخر هذه السلوكيات غير المحمودة، ولكنه تاكسي نظيف وأجره واضح ومعروف. وهكذا تبدو المجموعة الاقتصادية في وزارة الدكتور أحمد نظيف، وكذلك بعض أعضاء الأمانات في الحزب الوطني: تاكسي أبيض، لكن «لسه مطلع دراعه بره وبيدخن».

يبدو على السطح أن بين التاكسي الأبيض والأسود في مصر معركة، أو أن بين الحرس القديم والحرس الجديد في الحزب الوطني معركة كما يدّعي المحللون، لكن الحقيقية هي أن التاكسي الأبيض هو ذاته التاكسي الأسود، فقط السيارة جديدة وبها تكييف وعداد، وهذا إنجاز عظيم، حتى لا تفهمني خطأ، ولكن نفس السائق ونفس صاحب العربية، ونفس الطرق ونفس الزحام. ولكن المهم لمن يريد التنبؤ بمستقبل مصر أو بمدى سيطرة الحرس الجديد على مقاليد الأمور كبديل للحرس القديم أن يراقب حركة التاكسي الأبيض في شوارع القاهرة مقابل التاكسي الأسود.

لكن مشهد التغير الاجتماعي لا يتوقف عند هذا التوصيف الفج المتعلق بالتاكسي الأبيض والتاكسي الأسود. فهناك متغير ثالث، هو التاكسي الأصفر، وهو المعادل الموضوعي لحركة البرادعي أو دخول أي لاعب مفاجئ لم يتحسب له المصريون. التاكسي الأصفر هو تاكسي مكيف كالأبيض، تطلبه بالتليفون، سائقه مرتب الهندام، ويمنحك إيصالا بعد الوصول، ومع ذلك يثير شكوك المصريين، والسبب على ما يبدو هو أن التحكم في إغلاق الأبواب وفتحها في يد السائق فقط (سنترال لوك). وهذا أمر يثير الريبة بالنسبة إلى الفتيات اللاتي يرين أن الهروب من هذا التاكسي غير ممكن، ويمكن للسائق أن يختطف فتاة ولا تستطيع الهرب.

ببساطة «تاكسي لم نتعود عليه»، رغم أننا نعرف الشركة وأصحابها، ويمكننا تقديم الشكاوى ضدها، ولكن المصريين يهابون غير المألوف، لأنه يمثل سلوكا جديدا وشكلا جديدا بالنسبة إليهم. لذا على ما يبدو ستكون حركة البرادعي موجودة في الشارع، حركة مكيفة وفيها سائقون جدد أكثر نظافة من حيث الهندام، لكنها مريبة، لأن الناس لم تتعود ذلك. المعركة الأصلية في مصر هي بين التاكسي الأبيض، والتاكسي الأسود، وهما نسختان لأصل واحد، لكن تبقى المشكلة - أيا كان نوع التاكسي - هي مشكلة المرور والشوارع غير المرصوفة، والكباري الضيقة. مستقبل البلاد يشبه حركة مرورها، فإذا ما «اتزنقت» في المرور، فأنت في بلد مزنوقة - أيا كان لون التاكسي - ومع ذلك ثورة بيضاء في مصر.


 

مأمون فندى Copyright © 2009 Community is Designed by Sacha Blogger Template

CSS done by Link building

تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة